كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن سعيد بن جبير قال: يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم، وذلك قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} وعن كعب قال: سأصف لكم منزل رجل من أهل الجنة كان يطلب حلالًا ويأكل حلالًا حتى لقي الله تعالى على ذلك، فإنه يعطى يوم القيامة قصرًا من لؤلؤة واحدة ليس فيها صدع ولا وصل، فيها سبعون ألف غرفة، وأسفل الغرف سبعون ألف بيت كل بيت سقفه صفائح الذهب والفضة ليس بموصول، ولولا أن الله تعالى سخر النظر لذهب بصره من نوره غلظ الحائط خمس عشر ميلًا وطوله في السماء سبعون ميلًا، في كل بيت سبعون ألف باب يدخل عليه في كل بيت من كل باب سبعون ألف خادم لا يراهم من في هذا البيت ولا يراهم من في هذا البيت، فإذا خرج من قصره سار في ملكه مثل عمر الدنيا يسير في ملكه عن يمينه وعن يساره ومن ورائه، وأزواجه معه وليس معه ذكر غيره ومن بين يديه ملائكة قد سخروا له وبين أزواجه ستر، وبين يديه ستر ووصاف ووصائف قد أفهموا ما يشتهي وما تشتهي أزواجه، ولا يموت هو ولا أزواجه ولا خدّامه أبدًا، نعيمهم يزداد كل يوم من غير أن يبلي الأول، وقرة عين لا تنقطع أبدًا، لا يدخل عليه فيه روعة أبدًا.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لو أن أحد أهل الجنة رجل أضاف آدم فمن دونه فوضع لهم طعامًا وشرابًا حتى خرجوا من عنده لا ينقصه ذلك شيئًا مما أعطاه الله» وعن سهل بن سعد قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف الجنة حتى انتهى ثم قال: «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} الآيتين» قال القرطبي: إنهم أخفوا عملًا وأخفى لهم ثوابًا فقدموا على الله فقرت تلك الأعين، وعن أبي اليمان قال: الجنة مائة درجة أولها درجة فضة وأرضها فضة ومساكنها فضة وآنيتها فضة وترابها المسك، والثانية ذهب وأرضها ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها المسك، والثالثة لؤلؤ وأرضها لؤلؤ ومساكنها لؤلؤ وآنيتها لؤلؤ وترابها المسك وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وتلا هذه الآية {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} الآية.
وعن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام سأل ربه فقال: أي: رب، أي: أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل فيقول كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول: نعم أي: رب قد رضيت فيقال له: فإن لك هذا وعشرة أمثاله معه فيقول: قد رضيت أي رب فيقال له: فإن لك هذا وما اشتهت نفسك ولذت عينك فقال موسى: أي: رب فأي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: إياها أردت وسأحدثك عنهم، إني غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال: ومصداق ذلك في كتاب الله {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}.
ونزل في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه حين تنازعا فقال الوليد بن عقبة لعلي: اسكت فإنك صبي وأنا شيخ وأنا والله أبسط منك لسانًا وأحد منك سنانًا وأشجع جنانًا وأملأ منك حشوًا في الكتيبة، فقال له علي اسكت فإنك فاسق.
{أفمن كان مؤمنًا} أي: راسخًا في التصديق بجميع ما أخبرت به الرسل {كمن كان فاسقًا} أي: راسخًا في الفسق خارجًا عن دائرة الإذعان وقال تعالى: {لا يستوون} ولم يقل تعالى لا يستويان؛ لأنه لم يرد مؤمنًا واحدًا ولا فاسقًا واحدًا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين فلا يستوي جمع من هؤلاء بجميع من أولئك ولا فرد بفرد. قال قتادة: لا يستوون لا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة.
ولما نفى استواءهم أتبعه حال كلَ على سبيل التفصيل وبدأ بحال المؤمن بقوله تعالى: {أما الذي آمنوا وعملوا} أي: تصديقًا لإيمانهم {الصالحات} أي: الطاعات {فلهم جنات المأوى} أي: التي يأوي إليها المؤمنون فإنها المأوى الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة، وهي نوع من الجنات قال الله تعالى: {ولقد رآه نزله أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى}.
سميت بذلك لما روى عن ابن عباس قال: تأوي إليها أرواح الشهداء وقيل هي عن يمين العرش {نزلًا} أي: عدادًا لهم أول قدومهم قال البقاعي: كما يهيأ للضيف على ما لاح أي: عند قدومه {بما} أي: بسبب ما {كانوا يعملون} من الطاعات فإن أعمالهم من رحمة ربهم، وإذا كانت هذه الجناب نزلًا فماظنك بما بعد ذلك هو لعمري ما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وهم كل لحظة في زيادة لأن قدرة الله تعالى لا نهاية لها، فإياك أن تخادع أو يغرنك ملحد، ثم ثنى بحال الكافر بقوله تعالى: {وأما الذين فسقوا} أي: خرجوا عن دائرة الإيمان الذي هو معدن التواضع وأهل للمصاحبة والملازمة {فمأواهم النار} أي: التي لا صلاحية فيها للإيواء بوجه من الوجوه ملجؤهم ومنزلهم أي: فالنار لهم مكان جنة المأوى للمؤمنين {كلما أرادوا} أي: وهم مجتمعون، فكيف إذا أراد بعضهم {أن يخرجوا منها} بأن يخيل إليهم ما يظنون به القدرة على الخروج منها كما كانوا يخرجون نفوسهم من محيط الأدلة ومن دائرة الطاعات إلى ميدان المعاصي والزلات فيعالجون الخروج، فإذا ظنوا أنه تيسر لهم وهم بعد في غمراتها {أعيدوا فيها} فهو عبارة عن خلودهم فيها {وقيل لهم} أي: من أي: قائل وكل بهم {ذوقوا عذاب النار} إهانة لهم وزيادة في تغيظهم وقوله تعالى: {الذي كنتم به تكذبون} صفة لعذاب، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة للنار قال: وذكر على معنى الجحيم والحريق.
ولما كان المؤمنون الآن يتمنون إصابتهم بشيء من الهوان قال تعالى: {ولنذيقهم من العذاب الأدنى} أي: عذاب الدنيا، قال الحسن: هو مصائب الدنيا وأسقامها وقال عكرمة: الجوع بمكة تسع سنين أكلوا فيها الجيف والعظام والكلاب، وقال ابن مسعود: هو القتل بالسيف يوم بدر {دون العذاب الأكبر} وهو عذاب الآخرة فإن عذاب الدنيا لا نسبة له إلى عذاب الآخرة، فإن قيل: ما الحكمة في مقابلة الأدنى بالأكبر، والأدنى إنما هو في مقابلة الأقصى والأكبر إنما هو في مقابلة الأصغر.
أجيب: بأنه حصل في عذاب الدنيا أمران: أحدهما: أنه قريب، والآخر: أنه قليل صغير، وحصل في عذاب الآخرة أيضًا أمران: أحدهما: أنه بعيد، والآخر: أنه عظيم كبير، لكن العرف في عذاب الدنيا هو أنه الذي يصلح للتخويف، فإن العذاب الآجل وإن كان قليلًا فلا يحترز عنه بعض الناس أكثر مما يحترز من العذاب الشديد إذا كان آجلًا، وكذا الثواب العاجل قد يرغب فيه بعض الناس ويستبعد الثواب العظيم الآجل.
وأما في عذاب الآخرة فالذي يصلح للتخويف به هو العظيم والكبير لا البعيد؛ لما ذكر. فقال في عذاب الدنيا: العذاب الأدنى ليحترز العاقل ولو قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأصغر ما كان ليحترز عنه لصغره وعدم فهم كونه عاجلًا، وقال في عذاب الآخرة: الأكبر لذلك المعنى، ولو قال: من العذاب الأبعد الأقصى لما حصل التخويف به مثل ما يحصل بوصفه من الكبر {لعلهم يرجعون} إلى الإيمان أي: من بقي منهم بعد بدر، فإن قيل: ما الحكمة في هذا الترجي وهو على الله تعالى محال، أجيب بوجهين: أحدهما: معناه لنذيقنهم إذاقة الراجي كقوله تعالى: {إنا نسيناكم} يعني تركناكم كما يترك الناسي حيث لا يلتفت إليه أصلًا كذلك هنا، والثاني: نذيقنهم العذاب، إذاقة يقول القائل: لعلهم يرجعون بسببه.
{ومن} أي: لا أحد {أظلم ممن ذكر بآيات ربه} أي: القرآن {ثم أعرض عنها} فلم يتفكر فيها، وثم لاستبعاد الإعراض عنها مع فرط وضوحها وإرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكر بها عقلًا كما في بيت الحماسة:
وما يكشف الغماء إلا ابن حرة ** يرى غمرات الموت ثم يزورها

أي: لا يكشف الأمر العظيم إلا رجل كريم موصوف بما ذكر، والغماء بتشديد الميم والمد أي: في مدة اقتحام الحرب، والشاهد في قوله: ثم يزورها، إذ المعنى أنه استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها {إنا من المجرمين} أي: الكافرين {منتقمون} وعبر بصيغة العظمة تنبيهًا على أن الذي يحصل لهم من العذاب لا يدخل تحت الوصف على مجرد العداد في الظالمين فكيف إذا كانوا أظلم الظالمين، والجملة الاسمية تدل على دوام ذلك عليهم في الدنيا أما باطنًا بالاستدراج بالنعم، وأما ظاهرًا بإحلال النقم وفي الآخرة بدوام العذاب على ممر الآباد.
ولما قرر الأصول الثلاثة وعاد إلى الأصل الذي بدأ به وهو الرسالة المذكورة في قوله تعالى: {لتنذر قومًا ما أتاهم من نذير}.
بين أنه ليس بدعا من الرسل بقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} أي: الجامع للأحكام وهو التوراة فكان قبلك رسل مثلك، وذكر موسى عليه السلام لقربه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من أنزل عليه كتاب من أنبياء بني إسرائيل بعد فترة كثيرة من الأنبياء بينه وبين يوسف عليهما السلام، ولم يختر عيسى عليه السلام للذكر والاستدلال لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوءة موسى عليه السلام فذكر المجمع عليه {فلا تكن في مريه} واختلف في الهاء في قوله تعالى: {من لقائه} على أقوال: أحدها: أنها عائدة على موسى عليه السلام والمصدر مضاف لمفعوله أي: من لقائك موسى ليلة الإسراء.
وامتحن المبرد الزجاج في هذه المسألة فأجاب بما ذكر قال ابن عباس وغيره: المعنى فلا تكن في شك من لقاء موسى فإنك تراه وتلقاه، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالًا جعدًا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلًا مربوعًا إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن النار والدجال في آيات آراهن الله إياه» وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو يصلي في قبره»، فإن قيل: قد صح في حديث المعراج أنه رآه في السماء السادسة ومراجعته في أمر الصلاة، فكيف الجمع بين هذين الحديثين.
أجيب: بأنه يحتمل أن تكون رؤيته في قبره عند الكثيب الأحمر قبل صعوده إلى السماء وذلك في طريقه إلى بيت المقدس، فلما صعد إلى السماء السادسة وجده هناك قد سبقه لما يريده الله تعالى وهو على كل شيء قدير.
فإن قيل: كيف تصح منه الصلاة في قبره وهو ميت وقد سقط عنه التكليف وهو في الدار الآخرة وهي ليست دار عمل، وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الأنبياء وهم يحجون؟
أجيب عن ذلك بأجوبة: الأول: أن الأنبياء أفضل من الشهداء، والشهداء أحياء عند ربهم فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا كما صح في الحديث، وأن يتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا لأنهم وإن كانوا قد توفوا لكنهم بمنزلة الأحياء في هذه الدار التي هي دار العمل إلى أن تفنى ويفضوا إلى دار الجزاء التي هي الجنة.
الجواب الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم رأى حالهم التي كانوا عليها في حياتهم ومثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وصلاتهم. الجواب الثالث: أن التكليف وإن ارتفع عنهم في الآخرة لكن الذكر والشكر والدعاء لا يرتفع قال الله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم}.
وقال صلى الله عليه وسلم: «يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس» فالعبد يعبد ربه تعالى في الجنة أكثر ما كان يعبده في دار الدنيا، وكيف لا يكون ذلك وقد صار مثل حال الملائكة الذين قال الله تعالى في حقهم {يسبحون الليل والنهار لا يفترون}.
غاية ما في الباب أن العبادة ليست عليهم بتكليف بل هي مقتضى الطبع. ثانيها: أن الضمير يعود إلى الكتاب وحينئذ يجوز أن تكون الإضافة للفاعل أي: من لقاء الكتاب لموسى أو المعول أي: من لقاء موسى الكتاب لأن اللقاء تصح نسبته إلى كل منهما؛ لأن من لقيك فقد لقيته. قال السدي: المعنى فلا تكن في مرية من لقائه أي: تلقى موسى كتاب الله تعالى بالرضا والقبول. ثالثها: أنه يعود على الكتاب على حذف مضاف أي: من لقاء مثل كتاب موسى.
رابعها: أنه عائد على ملك الموت عليه السلام لتقدم ذكره. خامسها: عوده على الرجوع المفهوم من قوله: {إلى ربكم ترجعون} أي: لا تكن في مرية من لقاء الرجوع. سادسها: أنه يعود على ما يفهم من سياق الكلام مما ابتلي به موسى من الابتلاء والامتحان قاله الحسن أي: لابد أن تلقى ما لقي موسى من قومه، واختار موسى عليه السلام الحكمة وهي أن أحدًا من الأنبياء لم يؤذه من قومه إلا الذين لم يؤمنوا، وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى عليه السلام فإن من لم يؤمن به آذاه كفرعون، ومن آمن به من بني إسرائيل آذاه أيضًا بالمخالفة، فطلبوا أشياء مثل رؤية الله جهرة، وكقولهم {فاذهب أنت وربك فقاتلا}.
وأظهر هذه الأقوال أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب، واختلف في الضمير أيضًا في قوله تعالى: {وجعلناه} على قولين: أحدهما: يرجع إلى موسى أي: وجعلنا موسى {هدى} أي: هاديًا {لبني إسرائيل} كما جعلناك هاديًا لأمتك. والثاني: أنه يرجع إلى الكتاب أي: وجعلنا كتاب موسى هاديًا كما جعلنا كتابك كذلك.
{وجعلنا منهم} أي: من أنبيائهم وأحبارهم {أئمة يهدون} أي: يرفعون البيان ويعملون على حسبه {بأمرنا} أي: بما نزلنا فيه من الأوامر، كذلك جعلنا من أمتك صحابة يهدون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة قبل الميم، ولهم أيضًا إبدالها ياء، وحققها الباقون ومد هشام بين الهمزتين بخلاف عنه، وقوله تعالى: {لما صبروا} قرأ حمزة والكسائي بكسر اللام وتخفيف الميم أي: بسبب صبرهم على دينهم وعلى البلاء من عدوهم ولأجله، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم أي: حين صبرهم على ذلك، وإن كان الصبر أيضًا إنما هو بتوفيق الله تعالى: {وكانوا بآياتنا} الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا لما لها من العظمة {يوقنون} أي: لا يرتابون في شيء منها ولا يعملون فعل الشاك فيها بالإعراض.
ولما أفهم قوله تعالى منهم أنه كان منهم من يضل عن أمر الله قال الله تعالى: {إن ربك} أي: المحسن إليك بإرسالك ليعظم ثوابك {هو} أي: وحده {يفصل بينهم} أي: بين الهادين والمهديين والضالين والمضلين {يوم القيامة} بالقضاء الحق {فيما كانوا فيه يختلفون} أي: من أمر الدين لا يخفي عليه شيء منه وأما غير ما اختلفوا فيه، فالحكم فيه لهم أو عليهم، وما اختلفوا فيه لا على وجه القصد فيقع في محل العفو.
ولما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد بقوله تعالى: {أولم يهد} أي: يبين كما رواه البخاري عن ابن عباس {لهم كم أهلكنا} أي: كثرة من أهلكنا {من قبلهم من القرون} الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها. وقوله تعالى: {يمشون} حال من ضمير لهم {في مساكنهم} أي: في أسفارهم إلى الشام وغيرها كمساكن عاد وثمود وقوم لوط فيعتبروا {إن في ذلك} أي: الأمر العظيم {لآيات} أي: دلالات على قدرتنا {أفلا يسمعون} سماع تدبر واتعاظ فيتعظوا بها.
{أولم} أي: أيقولون في إنكار البعث أئذا ضللنا في الأرض ولم {يروا أنا} بما لنا من العظمة {نسوق الماء} أي: من السماء أو الأرض {إلى الأرض الجرز} أي: التي جرز نباتها أي: قطع باليبس والتهشم أو بأيدي الناس فصارت ملساء لا نبات فيها، وفي البخاري عن ابن عباس أنها التي لا تمطر إلا مطرًا لا يغني عنها شيئًا، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز ويدل عليه قوله تعالى: {فنخرج به} من أعمال الأرض بذلك الماء {زرعًا} أي: نبتًا لا ساق له باختلاط الماء بالتراب، وقيل الجرز: اسم موضع باليمن {تأكل منه أنعامهم} أي: من حبه وورقه وتبنه وحشيشه {وأنفسهم} أي: من الحبوب والأقوات، وقدّم الأنعام لوقوع الامتنان بها لأن بها قوامهم في معايشهم وأبدانهم ولأن الزرع غذاء للدواب لابد منه، وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع، ثم الإنسان يأكل من الحيوان.